في زُقاقِ اللَّيلِ، حينَ تمضُغُ السَّاعةُ أفكارَها،
سمعتُ ظلّي يُصافحُ ظلَّ غريبةٍ لا تعرِفُ اسمي،
وكانَتِ الريحُ تعزِفُ على أوتارِ نوافذِ الغيبِ لحنًا،
كأنّ الغيابَ هو وترُ الحقيقةِ في نايِ الوقتِ المصلوب.
قُلتُ: يا وجهَ النسيان، كم مرّةً خُنتَ الذاكرةَ؟
فأجابني صدى صمتي: حينَ قبّلتَها بلا وجهٍ،
حينَ كتبتَ اسمَها بدمعِ غيركَ على حائطِ قلبكَ،
حينَ شممتَ عطرَها في جسدِ المطرِ، فبكيتَ الملحَ.
وأنا، من أنا؟ سجينُ مجازٍ قُدَّ من شهوةِ الرؤيا،
أعدُّ حروفَ الندمِ كما يعدُّ الأعمى خُطى الضوء،
ولا أزورُ المقابرَ، بل تُزيرُني كلُّ ليلةٍ في ذاكرتي،
تُطعمني الترابَ بملعقةِ من ذهبِ القصائدِ المهملة.
الحبُّ — لا، بل حُلمٌ ناحلٌ، يخجلُ من اسمهِ،
يتخفّى في جيبِ قميصي، يرسمُ لي خريطةً نحو خطيئته،
لكنّي أتّبعُها دائمًا، أعرجُ كأنهُ صوتُ أمي في البرزخ،
وأنا طفلٌ يتبعُ رائحتَها… لا وجهَ، لا شبحَ، فقط أثرٌ.
أيُّها الغدُ، أنحني لكَ لأنكَ لا تعد، لا تعود،
أنحني لأنكَ نسيتَ أن تُولد، فظلّت أمي حاملًا بكَ.
فُسَيْفُس الشاعر